الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة في مسرحية "عنف" لفاضل الجعايبي: هنا فتحت نوافذ الجريمة والبشاعة والقتامة وأغلقت أبواب المحبة والرحمة

نشر في  07 أوت 2016  (14:55)

قتل وعنف وموت... صراخ ودماء وعفن وقرف ونتونة... على تلك الشاكلة فتحت مسرحية "عنف" لفاضل الجعايبي وجليلة بكار شبابيك إحدى نوافذ مجتمعنا التونسي فعكست جزء من واقع كامن فينا، واقع متمرّد ُصبغ بألوان القسوة والسوداوية والوحشية التي انعدمت فيها وفسّخت منها كل القيم الإنسانية البشرية..

 ساعتين من الإحساس بالمرارة والغثيان مرّت على كل مشاهدي مسرحية "عنف" الذين توافدوا مساء أمس السبت 06 أوت على مسرح قرطاج الدولي، أين تم تقديم المسرحية من قبل ثلة من المسرحيين نجحوا في رسم صور ركحية مميّزة رسّخوا فيها كل جوارحهم لعكس حالات من التشظي والانفصام التي أصبح يعيشها مجتمعنا التونسي المحبط بنسبة 99 بالمائة وفق ما قالته المبدعة فاطمة سعيدان في احد مشاهدها في ذات المسرحية..

 لقد قدّم الثنائي فاضل الجعايبي وجليلة بكار بمشاركة عدد من الممثلين (فاطمة بن سعيدان  ولبنى مليكة ونعمان حمدة وأيمن الماجري ونسرين المولهي وأحمد طه حمروني ومعين مومني)، مسرحية  من "الرعب" الحقيقي المخيّل في آن واحد جسّدت سلسلة متواصلة من المصائب والنكبات عبر صور من الجرائم المتشابهة -رغم اختلاف شخصياتها- من حيث درجة الوحشية والعذاب فتلك أم تقتل ابنها "حمّة" وترمي بجثته في "طابونة" وهو ما زال على قيد الحياة لتشتم رائحة لحمه "المشوي" وتمعن في قتله والتنكيل بجثته تلذذا..

وذاك شاب مثلي يقتل "عشيقه" بسبب حبّه له، وأولئك 3 شبان وفتاة يسفكون دم أستاذتهم ويتفننون في التنكيل بجثتها تهشيما لرأسها وتهريسا لأصابعها  في صورة موحشة موجعة مؤلمة..

وبين هذه الحكايات تطل علينا قصة الشابة نسرين التي تعاني من استبداد أخيها وعنفه تجاهها فتعكس من خلال مشهد ثنائي مميّز  درجة الظلم والقهر الذي مازالت تعيش على وقعه المرأة التونسية في فئة كبيرة منها لم تتمكن بعد من النجاة من طوق الذكورية الذي تمّ لفه على رقبتها لشنق حريتها ودحر كينونتها..

من جهة أخرى وكما يقال بالتونسي انّ "كثر الهم يضحّك" رسمت المسرحية المتألقة فاطمة سعيدان على وجوه الجمهور الحاضر من خلال بعض المشاهد التي أدّتها، رسمت  بعض الابتسامات والضحكات الشاردة التي أنستنا ولو لثواني زوايا الألم التائه في مكنوناتنا وجانب الإحباط الذي أتى على هامش من مشاعر السعادة  والأمل في حياة أفضل..

 لقد استطاع الثنائي الجعايبي وبكار من خلال العنف المجسّد بتفنن ركحي فني مسرحي كبير عكس اختلاجاتنا ومخاوفنا من المجهول والقتامة، وتحيير تساؤلاتنا واستفساراتنا عن هذا الواقع المجتمعي الذي أصبحنا يوميا نصدم فيه على مشاهد جرائم متعددة كستها الدماء والبشاعة والحيوانية، مشاهد تزايدت بوتيرة مفجعة عرّت المسكوت عنه وهزّت ذواتنا ودواخلنا..

منارة تليجاني